الأربعاء، 10 أبريل 2013

الخيل في الشعر العربي



استأثرت الخيل بمكانة كبيرة في نفوس العرب، ولا نغالي إذا قلنا أنه لم تهتم أمة من الأمم بالخيل مثلما اهتم بها العرب، ولعل سبب ذلك يرجع الى الكثير من الأمور والأسباب التي سنذكرهافقد وصل تعلق الشاعر الجاهلي بالخيل الى الحد الذي طغى على كل تعلق بالحياة فإضافة الى كون الفرس كانت عنصراً مهماً لأستخدامها في الغزو فإنها كانت وسيلة أيضاً للدفاع عن النفس والنجاة من العدو المتربص المباغت فجأة كما أنها تعد مصدراً للرزق ووسيلة أساسية للصيد.

ولم تفد الخيل أهميتها عندما أشرق نور الإسلام على ربوع الجزيرة العربية بل إنها كانت وسيلة مهمة للمسلمين في قتال الكفار والمشركين حتى جاء ذكرها في كتاب الله بقوله تعالى:
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} 
وكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قوله: 
((الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير الى يوم القيامة)) 
وقد رسم الشاعر العربي صوراً رائعة عن علاقته الحميمة بفرسه يقول خالد بن جعفر وقد بين مكانة فرسه – حذفة – من نفسه:
أريغوني أراغَتكُم فإني و (حذفةَكالشجا بين الوريدِ
ويقول طفيل الغنوي:
إني وإن قلَّ مالي لا يفارقني مثل النعامةِ في أوصالِها طولُ

وإضافة الى الوسائل التي ذكرناها والتي كانت الخيل ركناً مهماً فيها فقد استخدمت الخيل في وسيلة الاتصال وسميت خيل البريد عند بعض الشعراء يقول إمرؤ القيس:
على كل مقصوصِ الذُنابى معاودٍ بريد السُرى بالليل من خيل بربرا
إذا زانه من جانبيه كليهما مشى في دفَّه ثم فرفرا

ومثل هذا في قول ابن مقبل:
بكل أشقَّ مقصوصِ الذُنابى بشكّيّاتِ فارس قد شُجينا

وقد شكلت كثرة الفرسان في القبيلة مصدر قوة لها ودلالة على عظمتها وقوتها فكانت الحرب تنتهي لصالح من له أكبر عدد من الفرسان حتى قيل:
(نحن أمة أسوارنا سيوفنا ومعاقلنا خيولنا) 
وقد ضمن المزرّد بن ضرار الذبياني هذا المعنى شعراً فقال:
خروج أضاميمٍ وأحصنُ مَعقِلٍ إذا لم تكن إلا الجيادَ معاقِلُ

كما كانت الخيل هي ثروة لا تعدلها ثروة فنجد الختلي يحض قومه على المحافظة عليها والاهتمام بها يقول:
بني عامرٍ إن الخيولَ وقايةٌ لأنفسكم والموتُ وقتٌ مؤجلُ
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا صيانتها والصونُ للخيل أجملُ
متى تكرموها تكرمون نفوسكم إذا ثار من وقع السنابكِ قسطَلُ

كما كانوا يحتفون بنتاج الخيل فكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تنتج تقول الخرنق:
من غير فحشٍ يكون بهم في منتج المهراتِ والمهرِ 

وكانوا يتفاخرون في مربطها تقول الخرنق أيضاً:
وتفاخروا في غير مجهلةٍ في مربطِ المهراتِ والمُهر 

فالعربي لا يريد أن يدخر شيئاً سوى فرسه وسلاحه فقط، أما المال فإنه يذهب، يقول حاتم الطائي رداً على لوم زوجته بسبب إنفاق ماله:

يقولون ليأهلكتَ مالك فاقتصد وما كنتُ لولا ما يقولون سيدا
سأدخُر من مالي دِلاصاً وسابحاً وأسمر خطياً وعضباً مهندا
وذلك يكفيني من المال كله مصوناً إذا ما كان عندي متلدا

وقد روي أن دريد بن الصمة قال لأبي النضر:
(قد رأيت منكم خصالاً لم أرها في غيركم، رأيت أبنيتكم متفرقة ونتاج خيلكم قليلاً وسرحكم يجيء معتماً وصبيانكم يتضاوغون جوعاً من غير جوع)،
قال: (أجل أما أبنيتنا فمن غيرتنا على النساء، وأما قلة نتاج خيولنا فنتاج هوازن يكفينا وأما بكاء صبياننا فإنا نبدأ بالخيل قبل العيال) 
ومثل هذا المعنى في قول عبيدة بن ربيعة في رده على من أراد أن يشتري فرسه (سكاب):
أبيت اللعن أن سكاب علقٌ نفيسٌ لا يُعارُ ولا يباعُ
مفدّاةٌ مكرّمةٌ علينا يجوع لها العيالُ ولا تجاعُ

وكان الشاعر العربي يؤثر فرسه على أهله وولده يقول زيد الخيل الطائي وكان يسهر على فرسه أيام الشتاء:
أسوِّيهِ بمكنفِ إذ شتونا وأوثره على جلِّ العيالِ

ويقول الجاحظ في سياق حديثه عن العلم وإيثاره الكتب: 
(حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الإعرابي فرسه باللبن على عياله وحتى يؤمل في العلم ما يؤمل الإعرابي من فرسه)

كما كانوا يدفئونها في الليالي الباردة يقول عنترة في فرسه (جروة):
ومن يك سائلاً عني فإني وجروةُ لا ترودُ ولا تعارُ
مقرّبة الشتاءِ ولا تراها وراء الحي يتبعها المهارُ
لها بالصيف أصيرةٌ وجِلٌ ونيبٌ من كرائمها غِزارُ

ولم يأتِ هذا الإيثار والاهتمام اعتباطاً فالفرس معين لصاحبه على عدوه يقول عنترة:
جزى الله الأغرّ جزاءَ صدقٍ إذا ما أُقدت نارُ الحروبِ
يقيني بالجبين ومنكبيه وأنصرهُ بمطَّردِ الكعوبِ
وأدفِئه إذا هبت شمالاً بَليلاً حرجَفاً بعد الجنوبِ
أراه أهل ذلك حين يسعى رعاءُ الحيِّ في طلبِ الحلوبِ

وكانوا لا يأنفون من خدمة الخيل ورعايتها والاهتمام بها فمن الحكم أن ممن لا يستحى من خدمتهم العالم والوالد والضيف والفرس وكانوا يسقونها اللبن وهو ما يجعلها قوية وتكر وتغرو في الحرب دون كلل وملل يقول أبو زبيد الطائي:
كل عامٍ يلثمن قوماً بكف الدهر حمقاً وأخذ حي حريدِ
جازعاتٌ إليهم خشّع الأوداةِ تسقى قوتاً ضياحَ المديدِ

أما طعام الخيل فكان الشعير و البقل كما قال العباس بن مرداس:
بنو عوفٍ تميحُ بهم جيادٌ أهِينَ لها الفصافِصُ والشعيرُ

ويمدح الأعشى هوذة بن علي الحنفي لأنه كان شديد العناية بجياده:
جيادك في الصيف في نعمة تصانُ الجِلالَ وتعطى الشعيرا
ينازعن أرسانهنَّ الرواة شُعثاً إذا ما عَلون الثغورا

وكان بعضهم يسقيها الماء لكن ذلك يضر في المعركة يقول حسان بن ثابت يعذر أيمن بن عبيد عن تخلفه في خيبر وقد سقى فرسه الماء:
والمرء لم يجبُن لوكن مهره أضرّ به شربُ المديدِ المخمَّرِ
فلو لا الذي قد كان من شأن مهره لقاتل فيها فارساً غير أعسرِ
ولكنه قد صدّه فعل مهره وما كان منه عنده غير أيسرِ

وكما تجلل الخيل في الشتاء تجلل في الصيف أيضاً برداء يقيها شدة الحر يقول النابغة الذبياني:
يُغيرُ على العدو بكل طرفٍ وسلهبةٍ تجللُ في السمامِ

ويمدح الأعشى النعمان بن المنذر لنفس المعنى:
ويأمر لليحموم كل عشيةٍ بقتٍّ وتعليقٍ وقد كاد يسنقُ
يُعالى عليه الجلُّ كل عشيةٍ ويرفعُ نقلاً بالضحى ويعرَّقُ

وفي مقابل ذلك فقد كان الشاعر يهجو من يجوع الخيل ويؤثر نفسه عليها يقول عنترة بن شداد:
أبني زبيبةَ ما لمهركم متخرداً وبطونكم عجرُ
ألكم بآلاء الوشيج إذا مر الشياهُ وبوقعة خبرُ
إذ لا تزال لكم مغرغرة تغلي وأعلى لونها صَهَرُ

وبلغ حبهم للخيل وتعلقهم بها أن خافوا عليها من الحسد فكما سموا أبناءهم بأسماء تجلب التطير لها مثل مرة وحنظلة وغيره فقد أطلقوا على الفرس الكريمة شوهاء وغيرها بل أنهم كانوا يعلقون التمائم على الخيل خوفاً من العين والحسد، يقول خفّاف بن ندبة:
يعقد في الجيد عليه الرقى من خيفة الأنفس والحاسد

ونجد هذا المعنى متجلياً عند ابن مقبل الذي يوضح أنه قلد فرسه التمائم خوفاً عليها من العين والحسد وليس من داء ولا ربو:
عوجُ اللبان ولم تعقد تمائمه معرى القلادةِ من ربوٍ ولا بُهرِ

وحين تموت (النحّامفرس السليك بن السلكة فإنه يرثيها باكياً فيقول:
كأن قوائم النحّام لمّا تحمّل صحبتي أصلاً محارُ
على قرماء عاليةٌ شواه كأن بياض غرّته خمارُ
وما يدريك ما فقري إليه إذا ماالقومُ ولوا أو أغاروا
ويحضر فوق جهد الحضر نصاً يصيدك قافلاً والمخ رارُ

وحين يتحدث المرء عن أصله فإنه يشبه به أصالة الخيل الكريمة وتشير حميدة بنت النعمان الى ذلك وهي تصف زواجها من الحجاج الثقفي:
وما أنا إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها نغلُ
فإن نتجت مهراً فلله درها وإن يك أقرافاً فما أنجب الفحلُ

كما استأثرت الخيل بجانب كبير من رجز العرب حتى خلد لنا التاريخ صوراً رائعة لهذه الخيول العربية الأصيلة التي كانوا يأنفون أن يدنس صهواتها من لا يستحق إمتطاءها كما يقول الأشهب بن رميلة:
يا عجباً هل يركب القينُ الفرسْ وعرُ القين على الخيل نجس
وإنما أداته إذا جلس الكلبتان والعلاةُ والعنس

وكانت الخيل الجياد لا تجتمع إلا عند ملك أو أمير أو زعيم قبيلة وهي من دواعي الفخر والمباهاة يقول الشيظم الغساني يمدح ملك الشام:

يا صاحب الخيل الجياد المقربة وصاحب الكتيبة المكوكبة

كما كانت فكرة الفرس وفكرة المطر متماثلتين في ذهن الشاعر العربي تماثلاً غريباً فغالباً ما تأتي صورة الخيل المسترسلة بصورة السيل العاتي أو المطر المنصب يقول مجمع بن هلال:

وخيل كأسراب القطا قد وَزَعْتُها لها سَبَلٌ فيه المنية تلمعُ

ويقول إمرؤ القيس:
وولى كشوبوبٍ العشي بوابل ويخرجن من جعد ثراه مُنصَبِّ
خفاهن من أنفاقهنَّ كأنما خفاهن ودق من عشي مجلِّبِ

ويقول علقمة الفحل:
فاتبع آثار الشياه وليدنا حثيثٍ كغيث الرائح المتحلِّبِ
خفى الفأر من أنفاقه فكأنما تخلله شوبوبُ غيثٍ منقِّبِ

وهناك صورة غريبة وهي عقر الخيل على قبور الموتى من الأشراف والأسياد وتلطيخ القبور بدمائها فقيل أنهم كانوا يفعلون ذلك مكافأة للميت على ما كان يعقره في حياته إكراماً لضيفه ولأن الخيل أنفس أموالهم فكأنهم يريدون بذلك أنها قد هانت عليهم لعظم المصيبة يقول زياد الأعجم في رثاء المغيرة بن المهلب:
فإذا مررت بقبره فأعقر به كوم الهجان وكل طرفٍ سابحِ
وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخادمٍ وذبائحِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اقرِا هذا